الخميس، 14 أبريل 2011

قصة قصيرة

 : خالد كلبوسي
بلاد الأشباه
استمر الملك على العرش جيلا بأكمله,وكان قد خلف أباه الملك الذي تربع على العرش مدة جيل كامل كذلك. و يذكر كتاب " تاريخ الملوك" أن هذه الحال استمرت جيلا بعد جيل في هذه البلاد التي تعرف ببلاد الأشباه. و قد كانت طباع الناس قليلة التغير و يميلون إلى التكرار و السكينة في حياتهم.
لقد كان الملك المذكور متزوجا من صاحبة التاج الملكة التي لم تنجب له أبناء يخلفونه على العرش, و  لوحظ أنه كان مهموما في الفترة الأخيرة , ذلك أن الحكم سيؤول بعد موته إلى ابن عمه الذي كان يكره حتى ذكر اسمه.
لقد كانت الأعراف السائدة تقضي بأن لا يتزوج الملك امرأة أخرى لكن يمكن له أن يعاشر من النساء ما يرغب فيه,كما كانت الأعراف كذلك تقضي بتحريم التبني.هل يسعى إلى الحصول على طفل يدعي أن صاحبة التاج أنجبته فعلا فيخلفه على العرش؟غير أن هكذا سر قد ينكشف,فيطرد من المملكة كما تقضي الأعراف.
لقد كان الملك واسع الإطلاع يقتفي آثار الأبحاث العلمية رغم أنه متمسك بأعراف البلاد التي تقضي بأن لا يتزود من العلوم  إلا ما يخدم ما تعود عليه الناس في المملكة.وكم كان سعيدا عندما علم أن العلماء توصلوا إلى استنساخ البشر.إن هكذا إنجاز لا يتعارض مع أعراف البلاد و عاداتها التي تقدس التكرار في نفس الوقت الذي يمكنه من استنساخ شبيه له يخلفه في العرش. وهكذا التقى العلم مع السياسة.
 سعى الملك بعد ذلك أن يستنسخ شبيها له, و قد تم ذلك بالفعل و أغدق الملك العطاء لفريق البحث الذي قام بالعمل.
لقد كان الطفل النسخة شبيها تماما للملك حتى في الحركات و الإيماءات فضلا عن الشكل الخارجي, و قد سمح الملك للرعايا أن يستنسخوا أشباه لهم احتراما للأعراف و العادات المكررة.و هكذا سيتم توريث العرش إلى نسخته.
لقد أدرك الملك أن الاستنساخ  آلية جيدة لمقاومة الاختلاف,به ينهي العلم مهزلة التنوع.ومنذ ذلك الوقت الملوك ينتجون نسخا عنهم و الرعايا يستنسخ بعضهم بعضا,غير أن هناك مشكلة أخرى لعلها أعوص بكثير من مقاومة التغير و الاختلاف تعترض سبيل الحكام , إنها القلق, قلق الإنسان من الأشباه ,فعالم النسخ يفضي حتما إلى القلق الدائم.  
                                                                     انتهى
ملاحظة: اعتمدت في كتابة الأقصوصة على مسودة مرت عليها عدة سنوات.

الثلاثاء، 12 أبريل 2011

ثنائية اليسار و اليمين

gauche droiteثنائية اليسار و اليمين
تحرير : خالد كلبوسي
تعود ثنائية 
gauche droite
إلى تراث الثورة الفرنسية عندما اجتمع أعضاء المجلس الشعبي في شهري أوت و سبتمبر من سنة 1789لختاروا النظام السياسي الملائم للثورة حيث اصطف المناوئون لسلطة الملك على يسار رئيس المجلس الشعبي بينما اصطف الموالون للنظام الملكي على يمين رئيس المجلس,و قد انتشرت التسمية فيما بعد في أنحاء عدة من أوروبا و بريطانيا و أمريكا .
أما في تونس فنستعمل كلمة اليسار أكثر من كلمة اليمين و يشير اللفظ الأول إلى المجموعات السياسية التي تتخذ من الإيديولوجيا الاشتراكية أرضية فكرية,لكن هناك اختلافات بين هذه المجموعات .و بالمقابل يبدو أن لفظ اليمين يشير إلى المجموعات التي تتخذ من الليبيرالية مرجعيتها.غير أن الأمر ليس كذلك ,فقد استعمل اليسار في المعنى الذي أشرنا إليه سابقا بينما استعمل مقابل ذلك الإسلاميون و ليس اليمين,وهو أمر يحول دون فهم طبيعة الصراعات القائمة.فالصراع الأساسي كما بينت ثورة 14 جانفي في تونس هو صراع بين الشعب و الدكتاتورية على المستوى السياسي , أما على الصعيد الاقتصادي فالصراع حاصل بين الأجراء والمعطلين عن العمل من ناحية و المشغلين من ناحية أخرى.
إن التحولات التي تعيشها تونس و الدول العربية تستدعي فكرا جديدا يستعين بالتراث الفكري السابق دون أن يكون سحين حدوده الضيقة,وهو أمر يبدو أن المجموعات السياسية في تونس بدأت تتحسسه للتو و سيتطلب الأمر بعض الوقت لتحقيق توافق في استعمال المصطلحات.
بقي أن أشير إلى أمر هام مرتبط بالسياق :إن الشعوب الثائرة تخلق رموزها كما تخلق أفكارها,لذلك من المهم تجذير الفكر التقدمي في تراث الشعوب إلى الحد الذي تصل فيه إلى خلق رموزها و مفاهيمها الخاصة بها و ذات البعد الكوني في نفس الوقت,لا أن نكتفي بمجرد نقل مفهوم أو رمز نقلا حرفيا من سياق تاريخي و حضاري إلى آخر دون الانتباه إلى ما يمكن أن يحدثه ذلك من صد و مقاومة تستغله القوى المعادية في صراعاتها الإيديولوحية.