الفلسفة في البلدان العربية

الفيلسوف التونسي د. فتحي التريكي في حوار مع حكمت الحاج حول الفلسفة في تونس والعالم العربي



التفلسف نضال يومي ومقاومة مستمرة ضد الاستبداد واللامعقول في العالم

كتب حكمت الحاج من تونس:

هل لدينا فلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة: أين هي اليوم؟ ما هي إنجازاتها؟ إشكالياتها؟ ماذا حل بالفلسفة في العالم العربي؟ سؤال كبير تتفرع منه كل الأسئلة المتلهفة لأجوبة تشفي الغليل... ومع هذا فليس هناك أجوبة نهائية.. بل مجاذبات تأمّلية لعلها أن تجعل العينَ ترى أبعد، والأذن تلتقط أبعد من الإصغاء...أن تستحث العربي إلى استجلاء معنى مجيئه إلى هذا العالم؛ قيمة فرديته الخلاقة: أن يخرج من تراب الأسطورة الى فضاء التفكير.

هكذا يقدم المحرر الثقافي لـمجلة "إيلاف" الشاعر عبد القادر الجنابي لهذا الملف الهام والإشكالي، الخاص بوضعية الفلسفة في العالم العربي، ومعه نقول حقا إن أحدى الخسائر الكبرى التي مني بها العقل العربي في كل حروبه الإيديولوجية هي فقدانه لحاسة التأمل الفردي، أي التفلسف، بالمعنى الذي يورده "كانط" للكلمة، وأضيف أيضا، صفة "النقدي" لذاك التأمل المنشود. ولكن هل حقا واقع الحال كما يقال؟ أليس هناك من استثناء؟

كتبت الدكتورة منى نجار في المجلة الالكترونية "قنطرة" Qantara.de التي تصدر بالعربية والألمانية مقالا تحت عنوان "الفلسفة هي الأكثر مبيعاٌ في معرض تونس الدولي للكتاب لعام 2003" قائلة إن "ما يميز القراء التونسيين هو اهتمامهم الكبير بالفلسفة. لقد بيعت بكثرة هذه السنة أيضا كتب لهايدغر، وعنه، ولأدورنو أو هابرماس والتي تجد إقبالا متوسطا في البلدان العربية الأخرى".

وتكاد أن تكون هذه هي صورة الحقيقة، حقيقة الفلسفة في تونس. ولم يجانب الدكتورة منى النجار الصواب، ولا جانب غيرها، عندما تتم الإشارة الى تفرد ذلك النشاط العلمي البحثي النقدي الفلسفي، سواء في الصروح الأكاديمية، أم بالممارسة الحرة وتطبيقاتها، من الدين إلى الفن، في تونس، ولربما كان وسيبقى إلى أمد غير معلوم، مَعْلَمَا خاصا بتونس ودالا على ثقافتها بل ودورها الحضاري.

مثال أو مثالين نعطيهما في هذا السياق للدلالة على صدق ملاحظات المتعمق في التجربة الفكرية التونسية. فلا أعتقد أن هناك من بلد عربي أو عالم ثالثي طرح على طاولة النقاش والسجال والمُساءلة، عبر نخبته المفكرة، موضوعا كـ "العولمة" أو "الهوية" أو "الحداثة"، بمثل هذا الكم والزخم والعنفوان والجدية والمواصلة، كما هو الأمر كائن في تونس.. ولا داعي هنا لذكر كل تلك الندوات واللقاءات والمنشورات والجلسات والشخصيات التي تدور في هذه الأفلاك.. وكلها تؤكد شيوع التفلسف الصحيح في تونس، وإرادة التطبيق الفلسفي على شتى الميادين حتى تلك التي تبدو للوهلة الأولى إنها أبعد ما تكون عن الفلسفة.

من جهة أخرى، حَقَّ لنا أن نتساءل عن أهم مقومات الفكر الفلسفي في تونس، وهل هناك "فلاسفة" في تونس، أم هناك فقط أساتذة ومدرسون للفلسفة؟ ما هي أهم مميزات الفلسفة في تونس التي تعزلها عن غيرها من الاتجاهات في العالم العربي ومن ثم العالم؟ هل الفلسفة في تونس في وضعية التماس مع "الشارع" و"الناس" أم أنها ما تزال أسيرة جدران الجامعات والنخبة؟ هل ثمة مستقبل للفلسفة في تونس؟ وان كان الجواب بـ نعم، فما هي ملامح ذلك المستقبل؟

ذهبت بهذه المقدمات إلى فيلسوف تونسي معروف مشرقا ومغربا هو الدكتور فتحي التريكي، الذي أرشدني مشكورا إلى أن نحقق معا الخطة التالية على أن تنشر في "إيلاف" جميعها، وتتضمن، إضافة إلى الحوار الشيق الذي ستطالعونه الآن، مقالة حول تدريس وتعريب الفلسفة في تونس حتى عام 1986، مدعمة بإحصاءات دقيقة. ثم نظرة سريعة على الفلسفة في تونس بعد العام 1986 وحتى الآن، وحوار مع الأستاذ محمد علي ألكبسي حول تيارات الفكر الفلسفي في تونس، ولقاء مع الدكتور الطاهر بن قيزة حول الفلسفة في تونس عبر تجربة "مختبر الفلسفة" التي ينشط فيها. وبعد ذلك جلسة خاصة ثانية مع الدكتور التريكي حول القضايا الفلسفية الكبرى للفكر الفلسفي في تونس في الوقت الراهن، وأخيرا، تدوينات جدّ مهمة عن حضور الفلسفة الأوروبية في تونس بلحمها وشحمها، والعنوان العريض هو "فلاسفة أوروبيون في تونس: فرانسوا شاتلييه، ميشيل فوكو، جاك دريدا.. وغيرهم.

والدكتور فتحي التريكي هو فيلسوف تونسي من مواليد 1947 بصفاقس, حاصل على الدكتوراه في الفلسفة السياسية من جامعة السوربون بباريس- وعلى دكتوراه الدولة في الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس- أستاذ كرسي اليونسكو للفلسفة بجامعة تونس - من مؤلفاته : أفلاطون والديالكتيكية عام 1986- الفلاسفة والحرب (بالفرنسية) 1985- قراءات في فلسفة التنوع 1988- الروح التاريخية في الحضارة العربية الإسلامية 1991- الفلسفة الشريدة 1988- فلسفة الحداثة 1992- مقاربات حول تاريخ العلوم العربية 1996- استراتيجية الهوية 1997- فلسفة العيش سويا 1998- العقل والحرية 1998. الحداثة وما بعد الحداثة 2003.

التقيناه في مكتبته العامرة بتونس العاصمة، فكان هذا الحوار:


* لنسألك في البداية من حيث يمكن للفرد أن يسأل عن الفلسفة، مازجا معها السياسة بالتاريخ: هل الفلسفة في تونس هي نتيجة للاستعمار الفرنسي الذي عرفته تونس في القرن التاسع عشر أم أن لها جذورا تاريخية؟

- عرفت تونس الفلسفة منذ القدم. ومع الحضارة "القرطاجنية" كان هناك مثلا "أبوليوس" صاحب أول قصة في العالم، "الحمار الذهبي". ومن المعلوم انه كان أرسطي الاتجاه في فكره. أما بعد الفتح الإسلامي، فقد تنامى بتونس عدد كبير من المفكرين والمناطقة والفلاسفة واللغويين، انتظموا في اتجاهات ثلاث: أولها أدبي ويمثله "ابن رشيق القيرواني"، وثانيها في فلسفة الدين ويمثله "الإمام سحنون"، وثالثها في فلسفة المجتمع ويمثله العلامة "عبد الرحمن بن خلدون". في العهد الإسلامي، كما هو الشأن في العهد القرطاجني، جنحت الفلسفة إلى أن تكون عاملة أكثر في ميادين تطبيقية مثل المنطق الرياضي والدين. وهكذا أنتجت الفلسفة في تونس فلاسفة كبار من "أبوليوس" وصولا إلى "ابن خلدون" أول عالم اجتماع في العالم.


* ماذا حصل بعد ذلك؟

- ما حصل بعد ذلك هو انحسار الفلسفة داخل الميدان الديني مع توجه جديد جاء مع القرن التاسع عشر، أقصد التوجه نحو الفلسفة السياسية حيث ألف "خير الدين التونسي" كتابه الشهير "أقوم المسالك إلى معرفة الممالك" ذلك الكتاب الذي حاور فيه المفكر الأمريكي "بيرس" فيما يخص الليبرالية. ولا ننسى كذلك كتاب المصلح الكبير الطاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادر أوائل القرن العشرين. إذن، صار التوجه الفلسفي ينحو إلى جانب التطبيق في الدين، إلى فتح الآفاق أمام الفكر السياسي ليتقدم. وقد تأسس تحديث المجتمع التونسي على هذه التطبيقات الفلسفية المذكورة أعلاه. وبشكل دقيق نستطيع القول إن الميتافيزيقيا غابت، والتطبيقات هي التي شَرَّعت للمجتمع التونسي.


* وأي عنوان نضع للفلسفة في تونس في العصر الحديث؟

- في العصر الحديث نستطيع أن نضع عنوانا عريضا ليدل على الفعل في التاريخ ألا وهو "الفلسفة تدريسا". ولكن برغم ذلك لم تترك الفلسفة جانبا وإن ضعف تدريسها داخل جامع "الزيتونة" حيث كان ينحصر في دروس علم الكلام والمنطق. وبشكل عام بقيت الفلسفة موجودة في الدرس الجامعي، حتى جاءت الإصلاحات الكبرى للزيتونة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عندها دخلت بعض القضايا الكبرى مثل القضايا الاجتماعية لاسيما في "المعهد الخلدوني"، ولكن سيلعب، على الجهة الأخرى، "المعهد الصادقي" دورا كبيرا جدا في الحركة الفلسفية إذ انه إضافة إلى المصلحين التونسيين في أوائل القرن العشرين ثم فيما بعد الحرب العالمية الأولى فالثانية، سيتخرج جيل متشبع بالأفكار الفلسفية الغربية، وعلى أيديهم ستترسخ "الحداثة" في المجتمع التونسي.


* ألم يكن المعهدان اللذان ذكرتهما، يتوجهان صوب الأفكار نفسها؟ كنت أتصور إن الصراع كان بين "الزيتونة" و"الصادقية"؟

- تستطيع أن تقول إن المعهد الخلدوني كان يمثل العصرنة المنبثقة من التراث العربي الإسلامي، أما المعهد ألصادقي فكان يمثل العصرنة والحداثة كاملتين. كما انه جدير بالذكر أن نقول إن الكثير من رواد الحداثة هم من خريجي "الزيتونة" من أمثال عبد العزيز الثعالبي ومحمد الفاضل بن عاشور والطاهر الحداد والشاعر أبو القاسم ألشابي. ولكن كلامك صحيح من جهة أخرى، فإننا نؤشر وجود رافدين فلسفيين للنهضة في تونس: "الزيتونة" مع إصلاحها وتجديدها، و"المدرسة الصادقية" بروحها العصرية. ولقد كان هناك صراع بين الاثنتين في أغلب الأحيان مما أحدث رَجَّة جعلت تونس تصبو دائما إلى الأمام ولكن وهي منشدة إلى تراثها.


*هل هذا يعني انه كان ثمة صراع ما بين "الشريعة" و"الحقيقة"؟

- نحن تحدثنا عن ملامح الجذور الفلسفية للمجتمع التونسي.. ولكن أيضا يجب أن نؤكد إن كل تلك التناقضات والاصطراعات كانت في انسجام مع الدين الإسلامي مما يعني انه لم يكن هناك صراع مطلقا بين الشريعة والحقيقة إلا فيما ندر.


* وماذا نسمي إذن موقف علماء "الزيتونة" من الطاهر الحداد وكتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"ّ؟

- عندما نادى الطاهر الحداد بتحرير المرأة لم يكن ذلك صراعا بين الفلسفة والدين بقدر ما كان صراعا بين المستنيرين وأهل الظلمات.


* حسنا.. لنأت الآن إلى مرحلة الاستقلال؟ كيف أثر ذلك على وضع الفلسفة؟ وعلى أية أسس بدأ النظام السياسي الجديد يتعامل مع الفلسفة بوصفها مَعْلما اجتماعيا، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الثقافة الفرنسية في تونس؟

- بعد الاستقلال قام "الحبيب بورقيبة" بإصلاح جذري للتدريس في تونس طال المناهج الدراسية بالتأكيد، وجعل من درس الفلسفة مادة إجبارية في كل الاختصاصات وفي جميع المعاهد، بل وأنشأ قسما للفلسفة في الجامعة التونسية، وأخيرا عمل "بورقيبة" على التفريق ما بين الفلسفة في نمط تناولها الحديث والمعاصر، وبين الفلسفة الإسلامية.. كان هم بورقيبة في ذلك دون شك هو تنوير الشباب التونسي والتوجه به نحو المعرفة والعلوم والتكنولوجيا، ولكن اللغة الفرنسية التي كانت عائقا كبيرا وحقيقيا أمام أية محاولة لربط القضايا الفلسفية الكبرى باهتمامات الشارع التونسي، لذلك صار المفكر التونسي في عزلة عما يحدث على النطاق الثقافي والفني للمجتمع. وهكذا تقرر تعريب الدرس الفلسفي في تونس عام 1975 فكانت انطلاقة جديدة للفلسفة بحيث تفاعلت كثيرا مع الفكر المعيشي اليومي والإبداعات الثقافية والأدبية والفنية، وتكاثرت المؤلفات الفلسفية باللغة العربية، وأحدثت الفلسفة نقاشات محتدمة على الساحة الفكرية والأدبية في تونس، وحتى على الساحة السياسية. هذا مع العلم إن الجامعة التونسية بتعريبها للفلسفة قد تركت المجال لتدريس الفلسفة باللغات الأجنبية كي لا تحدث قطيعة [كما حدثت في بلدان عربية أخرى] بين اهتمامات المواطن التونسي وبين ما يستجد من أفكار ومشاغل على الصعيد العالمي. وكانت تجربة فريدة من نوعها، إذ إن في تونس الآن فلاسفة يقرؤون الفلسفة باللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية والأسبانية، وهو ما جعل المدرسة الفلسفية التونسية ثرية في اهتماماتها، ومتجددة على الدوام وفي علاقة تواصل ومواصلة مع أكبر فلاسفة الغرب، طبعا من دون التخلي عن البحث في التراث ومقوماته ولكن بطريقة علمية فكرية بعيدة كل البعد عن التمجيد والاعتداد الأجوف.. أي، بطريقة نقدية.


* وهل بقيت الفلسفة تبعا لهذا أسيرة الجدران؟

- إن من مستتبعات هذا التعريف نشوء أو تكون جمعيات غير حكومية تهتم بالفلسفة وشؤونها، مثل "الجمعية التونسية للدراسات الفلسفية"، ومثل جمعية "مدارات" و"الجمعية التونسية للإنشائية والجماليات" التي تشرف عليها الدكتورة رشيدة التريكي، وغيرها. كما تكونت في الجامعات والكليات فرق بحث متعددة في الفلسفة، منها ما هو مختص بالفلسفة السياسية، ومنها ما هو مختص بفلسفة العلوم والمنطق وفلسفة اللغة. وأخيرا تكون "مختبر الفلسفة" في جامعة تونس وهو يبحث ويعنى في قضية شديدة الراهنية ألا وهي "الثقافات والتكنولوجيات المعاصرة والمقاربات الفلسفية". وهذا المختبر هو أول مختبر من نوعه في العالم العربي. علما بأن الدولة التونسية قد رصدت له اعتمادات مالية لا يستهان بها على الإطلاق.


* هل الأمر كذلك في ميدان النشر؟

- إلى جانب الكتب والمؤلفات والدراسات الكثيرة التي صدرت عن الجامعات ودور النشر العامة والخاصة، فإن هنالك دوريات ونشريات متخصصة في الفلسفة نذكر منها:

1. مجلة الدراسات الفلسفية وهي مجلة فلسفية بحتة أي أنها لا تبحث إلا في القضايا الفلسفية الشائكة ولها توجهان، علمي وبيداغوجي تربوي.

2. مجلة "مدارات" وهي أيضا تهتم بالفلسفة إلى جانب اهتمامها بالعلوم الإنسانية بصفة عامة. والمجلتان المذكورتان أعلاه تصدران باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية.

3. دورية "إنشاء" وهي مجلة تهتم بالجماليات تحديدا وقد صدر منها لحد الآن ثلاثة أعداد فقط.



* هل هذا بالإضافة طبعا إلى حوليات الكليات والجامعات والتي تخصص أعدادا منها للفلسفة كل عام..؟

- نعم.. ولا يفوتنا في هذا المجال ذكر الصحف والمجلات العامة مثل "الحياة الثقافية" الشهرية، حيث يتم نشر المقالات والمراجعات الفلسفية فيها بين حين وآخر. وحتى الإذاعة والتلفزة التونسية لا تخلو شبكة بث فيهما من برنامج أو أكثر يتناول الفلسفة أو أعلامها كما حصل مع "فوكو" و"دريدا"، كما قدمت بعض البرامج عن "الإنشائية"...الخ.. ومن الجدير بالذكر أن نقول إن معظم مجلات ودوريات الفكر والفلسفة في العالم العربي يساهم في رفدها ونشرها والكتابة فيها فلاسفة ومفكرون من تونس، مثل "الفكر العربي المعاصر" و"كتابات معاصرة" و"فكر ونقد" المغربية، و"أوراق فلسفية" في مصر....


* وطبعا، هنالك ترجمة أمهات الكتب الفلسفية، أليس كذلك؟

- ترجمة الفلسفة في تونس قليلة ولكنها مفيدة وعميقة ودقيقة وعلمية. لقد انتقلت الظاهرة من مصر إلى تونس.. ففي أماكن أخرى ترى ترجمات فلسفية غير دقيقة وغير أمينة إطلاقا.


* ما هي أهم الاختصاصات التي تشتغل عليها المدرسة التونسية في الفلسفة؟

- المدرسة التونسية في الفلسفة تشتمل على كل الاختصاصات الكبرى. ففي تاريخ الفلسفة تجد الاختصاص في اليونانية وفي فلسفة ديكارت وسبينوزا، وفي الفلسفة الألمانية كما عند كانط وهيغل وهايدغر، كما تجد الاختصاص في تاريخ الفلسفة الفرنسية من الوجودية إلى فلسفة فوكو ودريدا ودولوز. إضافة إلى الاختصاص في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية إذ لدينا في تونس كبار المختصين في فلسفة ابن سينا [حاتم الزغل وأحمد الحسناوي] وفي الفلسفة الاندلسية بعامة وابن عربي بخاصة [مقداد عرفة منسية]... وفي الماركسية نشير إلى د. حميد بن عزيزة [بالفرنسية كحال معظم الدراسات الأكاديمية في الماركسية حيث بقيت تكتب بتلك اللغة] وغيرهم... وفي العالم العربي الآن، في الوقت الحاضر، فإن الاتجاه الأكثر وضوحا وبروزا هو الفلسفة اللانسقية، أو ما يطلق عليه بـ "فلسفة التنوع"، هذا الاتجاه الذي انطلق مبكرا من تونس ليجوب الوطن العربي كله..


* كان كتابك "قراءات في فلسفة التنوع" هو البداية على ما أذكر..؟

- نعم، صحيح، ثم تتالت الأجيال، ولدينا الآن من أشهرهم على سبيل المثال لا الحصر "سليم دولة" و"فتحي المسكيني" و"محمد علي الكبسي" وغيرهم كثير... وإجمالا، ضع عنوانا عريضا للفلسفة التونسية هو "فلسفة التنوع والتنوير"..


* دعني أسألك أخيرا، هل من ضرورة لكي نتفلسف، نحن العرب، اليوم؟

- حتى نجيب على هذا السؤال، يجب أن نفهم ما هو هدف شعب ما أو أمة ما. فإذا كان الهدف يتمثل في أن نعيش فقط بين الأمم لا غير، فلا ضرورة هنا إذن للتفلسف بما إننا سنستهلك أفكار غيرنا وعلوم غيرنا وتكنولوجيا غيرنا، ونستهلك، إن شئنا، كل ما نريده مستوردا من غيرنا. أما إذا أردنا أن نكون فاعلين في عالمنا هذا وأن تكون لنا في الآن نفسه إرادة الحياة وإرادة القوة،
فعلينا أن نتعلم العلوم لنحذقها، ونسيطر على التكنولوجيا لنستعملها أحسن استعمال، من ناحية، ولتكون لنا فيها إضافات، من ناحية أخرى. وكل ذلك يستدعي أن نرتقي بالفكر إلى أعلى مستواه، أعني إلى التفلسف. ولكن التفلسف يفيد التعقل، بيد أن التعقل لا يفيد الاستسلام ولا الاستكانة، بل هو نضال يومي ومقاومة مستمرة ضد الاستبداد وضد كل اللامعقول في العالم. إذن التفلسف ضرورة ملحة لنا لأنه مَجْلَى إبداعنا في ميادين العلم والفكر والمعرفة. ولما كنا في الماضي مبدعين في هذه المجالات، فقد كانت لنا فلسفة راقية ظلت إلى يومنا هذا حية معترفا بها في جميع أنحاء العالم مثل فلسفة الفارابي وابن رشد وابن خلدون وابن عربي وغيرهم.. والغرب عندما سيطر على العلوم والتكنولوجيا في القرن التاسع عشر كانت له فلسفة ظلت إلى يومنا هذا حية أيضا ومفيدة وتهيمن تقريبا على كل أنحاء الفكر في العالم.. أفيشك أحد في ضرورة أن نتفلسف نحن العرب اليوم؟
_______________________________

الفلسفة في تونس من منظور فرنكوفوني

Revue de collège internationale de philosophie : rue Descartes N.61

Mardi 7 octobre 2008

Pour répondre au plus près à la dimension internationale du Collège, la revue Rue Descartes a pris l’initiative de se délocaliser en consacrant l’un de ses quatre numéros annuels à l’exercice de la philosophie à l’étranger. Il ne s’agit en aucune façon d’une re-territorialisation de la pensée mais tout au contraire de l’affirmation de sa vocation à faire monde dans des sites et des idiomes multiples, de sa dissémination donc.
Qu’en est-il alors non pas de la philosophie tunisienne mais de la philosophie en Tunisie ? S’il fallait caractériser son site, je dirais qu’il se signale d’être « entre » : au mitan de la Méditerranée entre Europe et Afrique, entre Moyen-Orient et Occident dont fait partie le Maghreb, son nom arabe, à l’image du cap tunisien qui fait saillie sur la rive sud de la mare nostrum, et surtout entre langues qui se répondent, s’entremêlent et se nourrissent, l’arabe et le français principalement. Cette situation originale en fait un lieu de passage et de transit essentiel pour les concepts mis à l’épreuve de la traduction et de l’acclimatation, et pour risquer par conséquent la pensée dans une singularité opérante et vivante. Il faut bien reconnaître l’inégalité à ce jour d’un change qui a bien plus profité à l’influence des philosophies en langues européennes qu’à celle des philosophies en langue arabe. Si ce numéro de Rue Descartes ambitionne de contribuer quelque peu à réparer une injustice, il a davantage pour souci de mesurer les effets de la philosophie au risque des altérités et d’en inventorier les relances et les devenirs féconds.
Il n’est peut-être pas inutile de rappeler, comme le fait Fathi Triki dans son propos liminaire, que la Tunisie, autrefois et dans un contexte différent Numidie, fut assez propice à la pensée pour y accueillir et y nourrir les œuvres d’Apulée, de Saint Augustin et d’Ibn Khaldoun, ni d’apprendre que s’y est perpétuée la tradition des grandes réformes avec Kheireddine ( XIXème) et Tahar Haddad (XXème) ; sans oublier les transferts et les recommencements dont plusieurs philosophes français qui y ont enseigné ont avivé ou ravivé la flamme auprès des étudiants tunisiens ; et parmi eux François Châtelet, co-fondateur du Collège international de philosophie, et Michel Foucault dont Rachida Triki restitue le contexte et le plan d’un cours sur Descartes dispensé à l’université de Tunis.
Mais qu’en est-il de l’aujourd’hui de la philosophie ? Ce numéro fera la preuve qu’il est bel et bien vivace : dans le triple souci de construire des ponts à double sens entre les Lumières orientales et occidentales pour penser la rencontre des mondes et les soubresauts de la modernité (Moez Médiouni, Rachida Smine, Tahar Ben Guiza, Fathi Nguezzou), de mettre le religieux à l’épreuve de la rationalité, de la laïcité et des genres ( Salah Mosbah, Fathi Triki, Mohamed Ali Halouani, Mounira Ben Mustapha, Zeineb Ben Said-Cherni), de réinventer enfin la pensée dans les conditions de la diversité et de l’entre-langues ( Fethi Meskini). A parcourir et à lire ce numéro, on comprendra que loin de se contenter d’être les porte-voix des courants de pensée « occidentaux » ou des traditions et écoles arabo-musulmanes, les philosophes tunisiens travaillent à partir de leur situation à penser la complexité des temps et du monde.
Le dernier mérite de ce numéro, et non le moindre à mes yeux, est d’offrir des images des métamorphoses en cours sur la scène des arts en Tunisie, à l’intersection d’un héritage traditionnel repris à neuf et en beauté – témoin la couverture -, et d’un questionnement sur les nouveaux avatars troublants des corps, des espaces et des identités. A saluer au passage le travail et la générosité de ces artistes : Njah Mahdaoui, Dalel Tangour, Mouna Jemal, Marianne Catzaras, Nadia Kaabi, Halim Karabiben, Meriem Bouderbala, Sadika Keskes, Mouna Karray, Moez Safta, Nicene Kossentini … et pour son regard affûté, Jeanette Zwingenberger qui en a fait le choix.
Patrick VAUDAY, philosophe (université Paris IX – Dauphine) ancien directeur de programme au CIPh, est responsable du réseau « Diversité des expressions culturelles et artistiques, et mondialisations » (http://www.dcam.auf.org/) au sein de l’Agence Universitaire de la Francophonie

جدل حول الفلسفة العربية بجامعة الجزائر

الجزائر: في الملتقى الدولي السادس ليوم الفلسفة في الجزائر، والذي تناول موضوع الفلسفة وأسئلة الراهن، اتفق الأساتذة المشاركون على أن الفلسفة والتفلسف في الجزائر وفي العالم العربي أصبحا غير مرتبطين بالواقع، ولم تعد لهما صلة بهموم الناس .وبحسب جريدة "الخبر" الجزائرية أثارت مداخلات الفترة الصباحية من اليوم الأول لملتقى الفلسفة في الجزائر، المنظم من قبل جامعة الجزائر بوزريعة بالتعاون مع قسم الفلسفة وتاريخها بجامعة وهران، ردود أفعال ونقاشا محتدمة .وقد أثير النقاش والجدل عقب المحاضرة التي ألقاها د. أمين الزاوي حول موضوع الفلسفة واليومي، وقال فيها إن الفلسفة في الجزائر تعيش بعيدا عن هموم الناس، وطالب بضرورة إنزالها من عرش الفكر المجرد. وهو ما اعتبره الأستاذ محمد نور الدين جباب تحميلا للفلسفة لأكثر من طاقتها. واعتبر آخرون أن د. الزاوي لا يفرق بين الفلسفة وعلم الاجتماع عندما طالب الفلاسفة بالتمعن في الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، ومن تحته الجينز، فتلك من مهام عالم الاجتماع.وما قاله الزاوي وأثار النقاش والجدل، ردده د. عبد الرحمان بوقاف لكن بكثير من التمعن والتدقيق والابتعاد عن الاستفزاز، فكان رده على سؤال محاضرته المحوري: لماذا بقيت الفلسفة في العالم العربي حبيسة لغتها؟، بالبحث عن أسباب عدم قدرة الفلسفة على الخروج إلى الفضاء العمومي، وتحولها إلى موضوع نخبوي.كما أرجع د. بوقاف ظاهرة عجز الفلسفة عن الخروج إلى الفضاء العمومي، لمسألة غياب النص المرجع. فالعالم العربي يعيش على وقع النص التراثي. وهذا الأخير ليس محل إجماع بل محل محاكمة وبالتالي فهو لا يصلح لأن يكون نصا منجزا. كما أضاف د. بوقاف إلى السببين المذكورين أعلاه مسألة عدم امتلاك المفكرين العرب لرؤية للعالم والتزام انطولوجي. وتحدث في الأخير عن مسألة الانقلابات الفكرية التي تعكس تذبذبا فكريا لا يخدم الفلسفة إطلاقا.وبحسب "الخبر" تحدث د. بن مزيان بن شرقي عن عنصرية الحداثة الغربية، واستشهد بهيغل الذي كان يعتقد أن الأفارقة ليسوا أهل ثقافة. وأوضح بن مزيان أن فكرة التقدم في الغرب قامت على الإقصاء، مضيفا أن محاولات التجسير انتهت بالفشل، واستدل بكتابات أوزوالد شبينغلر، التي تقف عند نقيض ما توصل إليه صمويل هنتنغتون في السنوات الأخيرة. وأدت فكرة صدام الحضارات، حسب بن مزيان، إلى انتشار ثقافة المقاومة التي تحاول فرض ذاتها في عالم تغلب عليه محاولات الطمس الثقافي، وذلك باسم الرغبة في الاعتراف

رهانات الفلسفة العربية المعاصرةمحمد المصباحي
يضم هذا الكتاب حصيلة أشغال مؤتمر 'رهانات الفلسفة العربية المعاصرة'، الذي انعقد بكلية الآداب بالرباط ما بين 20-21 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 (بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور). وكانت الغاية من دعوة نخبة من الفلاسفة العرب الذين ينتمون إلى مختلف الحساسيات الفكرية للالتئام حول موضوع الرهانات، ممارسة الفلسفة، لا تاريخ الفلسفة، وإن كنا نعتقد بأن تاريخ الفلسفة جزء لا يتجزأ من الفلسفة نفسها. وبالفعل، بالرغم من أن الكلام بضمير المتكلم لم تَجْرِ به العادة عندنا في الغالب، فقد أبانت جل الأبحاث الملقاة في المؤتمر عن إرادة الجرأة على التفلسف.
إن الرغبة في ممارسة جنس القول الفلسفي في العالم العربي اليوم تحركها على الأقل محركات ثلاثة. أولها كون اللغة العربية استطاعت، عن طريق احتكاكها باللغة الفلسفية اليونانية في السابق، أن تختزن تجربة واسعة وعميقة بالمفاهيم النظرية والأسئلة الجريئة حول الوجود والأخلاق والسياسة مكّنتها من أن تخلق لنفسها لغة فلسفية غنية لم تتأت لكثير من اللغات. وهذا الرصيد، الذي هو بمثابة ملكة فلسفية راسخة، أهّل اللغة الفلسفية العربية، في الأزمنة الحديثة، لأن تقوم بمغامرة جديدة قيد الإنجاز مع اللغات الفلسفية الأوروبية الحديثة لتحديث جهازها المفاهيمي وأدواتها المنهجية والرؤيوية. والمحرك الثاني يتمثل في كون الفلسفة عرفت في اللغة العربية تجارب فكرية غنية كان لها صدى في التاريخ، تراوحت بين الازدهار والامتحان؛ فكان ازدهارها مؤشرا على وصول الحضارة العربية الإسلامية إلى مستوى عال من العالمية الفكرية، تساوقت مع عالمية دينية كانت شرط الوجود البشري في ذلك الزمان؛ كما كان امتحانها ومحاصرتها بمعية العلم والأدب علامة على أن الحضارة العربية الإسلامية مالت إلى الأفول. مما يعني أن رهان الحداثة في العالم العربي اليوم مرتبط ارتباطا جوهريا بعودة قوية وجريئة لّلغة العربية إلى الفلسفة. وهذا ما حاولت أبحاث هذا الكتاب أن تبرهن عليه بأكثر من كيفية. العامل الثالث الذي حرك الرغبة في ممارسة القول الفلسفي في العالم العربي، هو أن رهان تحديث العالم العربي اقتصاديا وسياسيا وإداريا واجتماعيا وحقوقيا ودينيا وفنيا... لا يمكن أن ينتقل إلى مرتبة الحداثة، ما لم تَسْرِ في التحديث روح الفلسفة، محوِّلة إياه إلى ملكة راسخة، أي إلى حداثة، هي عبارة عن حساسية تجاه الزمن الذي نحيا فيه من أجل التفاعل الخلاّق معه.
وعملاً بالدور الأساسي الذي حدده بول ريكور للفيلسوف أساساً في 'فهم الرهانات'، نعتقد بأن الرهان الأكبر للفلسفة في عالمنا العربي، هو أن يحصل لها الوعي بأنها لن تستطيع التأثير في الفضاء العمومي لدفعه للانخراط في مغامرة الحداثة بكل ما تتطلبه من همَّة ومخاطرة، ما لم تعمل هي نفسها على تغيير نفسها بنفسها بتحديث أسئلتها ولغتها وآفاقها، أي بتحديث رهاناتها. وهنا لا يسعنا إلا أن نُبدِي شيئا من الغيرة حيال تجارب الشعراء والروائيين والعلماء والتقنيين والاقتصاديين والسياسيين العرب الذين يغامرون يوميا سعيا وراء تحقيق حداثاتهم كل بطريقته الخاصة. فلماذا لا نقوم، نحن الفلاسفة، أيضا بالمغامرة الخاصة بنا لتحقيق حداثتنا الفلسفية، دون انتظار لحظة المغيب، لحظة انبثاق الفلسفة؟ لعل ذلك رهين بالتركيز على قراءة الواقع العربي اليومي المتجدد، وبالعمل على خلق مجال مشترك حي وحقيقي للقراءة والحوار والنقد والاعتراف المتبادل.
إننا بهذا لا ندعو إلى ضرب من الغلو في التحمس لفلسفة عربية منغلقة على ذاتها، على غرار ما يدعو له البعض من أهلنا ومن بعض الأمريكيين اللاتينيين أو الأفارقة أو الآسيويين، وإنما نقول بأن النقاش الفلسفي داخل الحقل العربي هو الذي سيسمح لنا بإمكانية حقيقية للنقاش مع المجتمع الفلسفي العالمي، وذلك عندما نقدم قيمة مضافة نابعة من الأسئلة الخاصة التي نطرحها، مع أخذ الاحتياط الكامل من الوقوع في محذور تحويل الفلسفة إلى إيديولوجية غايتها تغيير الواقع حسب آرائها المنحازة، لا حسب مقتضى الشيء في ذاته. إن المحافظة على غريزة الحرية تبقى شرطا قَبْليا لممارسة الفلسفة حتى لا تُسَخّر من قِبل رجال السياسة أو الدين أو المال، أي حتى لا تتحول الفلسفة إلى إيديولوجيا أو علم كلام.
وبعيدا عن أية مبالغة، من واجبنا أن نعترف بأن الفكر الفلسفي العربي بدأ أخيرا يتخلص من عقدة لسانه، منطلقا في مغامرة لا حدود لها من الإبداع والمناقشة بلغة وأسئلة جديدة مع أنداده من الفلاسفة في أنحاء العالم، خصوصا بعدما أصبحت الفلسفة تميل اليوم نحو لغة السرد والحكاية. فمن يقف على أعمال الفلاسفة العرب المعاصرين سيكتشف أن كتاباتهم لا تقل عمقا وابتكاراً عن أقرانهم الأوروبيين، لأنها كانت ثمرة جهد ومكابدة. نعم، يجب أن نعترف بأن قاموسنا الفلسفي ما زال غير قادر على إسعافنا في التعبير عن كل ما يخالجنا من أفكار وإشكالات ورؤى جديدة. بيد أننا نعتقد أن اللغة العربية ما زالت تحمل في أحشائها إمكانيات هائلة للتوليد والابتكار والتكيف مع القضايا والموضوعات الجديدة.
الفلسفة بطبيعتها مشاغبة، تحاول بأسئلتها أن تتجاوز الثوابت والخطوط الحمراء، بما فيها الخطوط الحمراء التي تضعها الفلسفة لخطابها على نحو ضمني في غالب الأحيان. فأحيانا تضع الاستنارة، أو الحرية كخط أحمر، لكنها سرعان ما تنقلب عليهما، لكي ترفع في كل مرة سقف تطلعاتها إلى درجة يمكن اعتبار عودة ظاهرة الغزالي من جديد في زماننا هذا، أي ذلك الفيلسوف المُبَرقع، الذي يأكل من فاكهة الفلسفة بكل حرية ويلعن كل مَن يأكلها، من باب مكر الفلسفة، التي تريد البقاء أحيانا من خلال أضدادها.
لم يكن الغرض من اللقاء الذي أثمر هذا الكتاب إثبات أو نفي وجود فلسفة عربية اليوم، أو تأكيد هويتها وأصالتها قياسا على فلسفات الأمم الأخرى، ولكن كان القصد أن ننظر فيما يمكن أن تُسهم به الفلسفة بتواضع، مع غيرها من المباحث الفكرية والعلمية والأدبية والفنية، لإنقاذنا من الكارثة الثقافية والوجودية التي تهددنا كل يوم منذ دخولنا زمن الهزائم المتتالية. إننا في العالم العربي نعيش تراجيديا حقيقية، استفحل أمرها إلى حد أصبح يبعث على القنوط واليأس، الأمر الذي يجعلنا في أمَسّ الحاجة إلى نظرة مجردة وشاملة تذهب بنا توّاً إلى جوهر الأمور، أي إلى نظرة فلسفية تستطيع أن تعالج حالة الإنسان الذي لا يود أن يعترف بإنسانيته، بحريته، بقدرته على العيش مع الآخرين. إننا إذا استطعنا أن نجعل من التأويل أداةً لتغيير نظرة هذا الإنسان إلى نفسه وإلى العالم، سنكون قد ربحنا أحد الرهانات الكبرى للفلسفة العربية المعاصرة.
يضم هذا الكتاب خمسة أبواب؛ يتطرق الباب الأول منها إلى رهانات الفلسفة العربية السياسية المتصلة بموضوعات الحضارة والمقاومة والمصالحة السياسية والعولمة والحرية. وتعالج أبحاث الباب الثاني الرهانات الفلسفة الدينية التي تخص الإصلاح الديني والعلمانية وشروط إمكان قيام فلسفة للدين في الفكر الفلسفي العربي المعاصر. وتعكف مقالات الباب الثالث على النظر في رهانات مجتمع المعرفة والصورة والأخلاقيات التطبيقية والتواصلية. وحاولت أبحاث الباب الرابع، رهانات حاضر الفلسفة العربية، التفكير تفكيرا نقديا في مفاهيم الرهان والتبرير والحاضر والترجمة. أما أبحاث الباب الخامس فقد تناولت دلالة ومدى حضور الفلسفة الغربية في الثقافة العربية المعاصرة، وهل من المشروع أن تنعت هذه الأخيرة بأنها عربية، بينما اختصت مقالتان في النظر في الفلسفة المغربية
                                                                                             ـ محمد المصباحي ـ