الخميس، 2 ديسمبر 2010

تعريف بمؤلف: "مستوى الروح, لماذا المساواة أفضل للجميع

اللامساواة وتشويه النفس الاجتماعية
تقديم: د.علي فخرو * البحرين

في كتابيهما "مستوى الروح, لماذا المساواة أفضل للجميع" يُبين
الكاتبان ريتشارد ولكنسون وكيت بيكيت العلاقة الحميمة بين مدى انتشار عدم العدالة في توزيع الثروة في المجتمعات وبين مدى انتشار العلل الصحية والنفسية والاجتماعية في تلك المجتمعات. في المجتمعات التي تتسع الهوة فيها بين الاغنياء والفقراء يتراجع فيها معدل عمر الانسان بحوالي عشر سنوات وترتفع فيها نسبة الامراض النفسية وعلى الاخص القلق والكآبة وتنتشر فيها التشوهات الاجتماعية مثل ظواهر العنف والجريمة والادمان والانتحار وضعف الحراك الاجتماعي وضعف ثقة الناس في بعضهم بعضا.لا يهم أن تكون تلك المجتمعات من العالم الأول المتقدم أو أن تكون من العالم الثالث المتخلف ولا يهم أن يكون معدل دخل الفرد أربعين ألف دولار أو لا يزيد على العشرة ألاف دولار, فالقضية الأساسية التي يطرحها الكاتبان هي الترابط الوثيق بين ظاهرة عدم المساواة في المجتمعات وبين ظاهرة انتشار تلك العلل والإمراض والتشوهات, إما السبب فيكمن في أن اتساع الهوة بين الدخل في المجتمعات يؤدي إلى قلقلة وإضعاف ما يسميه الكاتبان "النفس الاجتماعية" وهي النفس التي تحيا وتنتعش بحصول الانسان على مستوى معقول من حاجاته المادية, وعلى شعوره بقيمته الشخصية المساوية للآخرين, وعلى عدم شعوره بالنقص أمام الآخرين. وهذه كلها بالطبع مرتبطة بمستوى دخل الفرد مقارنة بدخل الآخرين, وبعدم شعور الفرد بان مسكنه ومدرسته التي يتعلم فيها ومركزه الصحي الذي يعالج فيه وناديه الرياضي الذي ينتمي إليه وأماكن رفاهيته التي يرتادها هي جميعا في مستوى الحضيض المذل الهادر لكرامة الانسان.منذ قرون طويلة عرف الفلاسفة والمصلحون وعرفت الديانات مشكلة اللامساواة البشرية, وهذه الدراسة تعزز وجود نتائجها الكارثية على الفرد والجماعة. ويوم طرحت الثورة الفرنسية شعاراتها الثلاثة, الحرية والأخوة والمساواة, كان جليا بأنه من دون المساواة سيصبح شعار الحرية وشعار الأخوة كلمتين عاجزتين وفارغتين من أي محتوى قادر على الفعل في الواقع وتغييره.مناسبة إبراز نتائج تلك الدراسات الاجتماعية, العاكسة نفسها على السياسة بقوة, هو ما سمعناه وما نسمعه من تفاخر بين دول البترول العربية وكبار القوم فيها بشأن معدلات دخل الفرد في هذه الدول, ويعتقد هؤلاء وتردده أبواقهم الإعلامية صباح مساء, بأنه يكفي أن يقوم وزراء المالية بقسمة دخل البترول على عدد السكان ويخرجوا نتائج مذهلة لمعدلات دخل الأفراد حتى يصبحوا في عداد بلدان التقدم أو العدالة أو التنمية أو مجتمعات الرفاهية. والواقع أن هذه قسمة ضيزى, فمعدل دخل الفرد, من دون وجود توزيع عادل للثروة, لا يمثل ضمانة لمجتمع سليم متعاف.يستطيع الانسان أن يخمن بأن ظواهر العلل والأمراض والتشوهات, عند الأفراد وفي المجتمعات, التي يعرضها الكاتبان متفشية في بلدان اليسر العربية, وفي جميع الأحوال فإنها تحتاج لمن يدرسها, لكن عدم عدالة توزيع الثروة بادية كالشمس الساطعة. قصور وبيوت إسكان متواضعة, تعليم خاص مكلف واستقلالي وتعليم عام يتراجع, مستشفيات خاصة باهظة التكاليف وخدمات حكومية مزدحمة, حياة بذخ أسطورية وحياة كفاف مخجلة, عليه قوم يستأثرون بكل رموز الوجاهة والقوة والاحترام وجماعات مسحوقة في أسفل السلم الاجتماعي تشعر بالنقص والهوان.الدولة الرعوية توزع المغانم على أسس لا تمت بصلة للإنتاج والكفاءة والجهد, وإنما على أسس الولاءات والاستزلام والقرابات العائلية والقبلية والمذهبية, والنتيجة إن مجموعة صغيرة تشعر بالثقة التامة في نفسها ومكانتها, بينما تبقى مجموعة كبيرة كسيرة النفس الاجتماعية بما تأتي به من علل ومصائب.عدم المساواة تقود إلى مكانة اجتماعية متدنية, وهذه بدورها تلد كل التشوهات التي ذكرنا, فليراجع المسؤولون في بلدان البترول حساباتهم ومفاهيمهم, ذلك ان اللامساواة هي رديف الظلم, بينما المساواة هي رديف العدالة. من هنا أصبحت قضية اللامساواة في توزيع الثروة احد أهم القضايا التي تُطرح بقوة في عصر العولمة الذي نعيشه, وهي مرشحة ان تغير الفكر السياسي في العالم.
                                  انتهى ـ





الفلسفة في تونس من جهة نظر فرنكوفونية

Revue de collège internationale de philosophie : rue Descartes N.61

Mardi 7 octobre 2008

Pour répondre au plus près à la dimension internationale du Collège, la revue Rue Descartes a pris l’initiative de se délocaliser en consacrant l’un de ses quatre numéros annuels à l’exercice de la philosophie à l’étranger. Il ne s’agit en aucune façon d’une re-territorialisation de la pensée mais tout au contraire de l’affirmation de sa vocation à faire monde dans des sites et des idiomes multiples, de sa dissémination donc.
Qu’en est-il alors non pas de la philosophie tunisienne mais de la philosophie en Tunisie ? S’il fallait caractériser son site, je dirais qu’il se signale d’être « entre » : au mitan de la Méditerranée entre Europe et Afrique, entre Moyen-Orient et Occident dont fait partie le Maghreb, son nom arabe, à l’image du cap tunisien qui fait saillie sur la rive sud de la mare nostrum, et surtout entre langues qui se répondent, s’entremêlent et se nourrissent, l’arabe et le français principalement. Cette situation originale en fait un lieu de passage et de transit essentiel pour les concepts mis à l’épreuve de la traduction et de l’acclimatation, et pour risquer par conséquent la pensée dans une singularité opérante et vivante. Il faut bien reconnaître l’inégalité à ce jour d’un change qui a bien plus profité à l’influence des philosophies en langues européennes qu’à celle des philosophies en langue arabe. Si ce numéro de Rue Descartes ambitionne de contribuer quelque peu à réparer une injustice, il a davantage pour souci de mesurer les effets de la philosophie au risque des altérités et d’en inventorier les relances et les devenirs féconds.
Il n’est peut-être pas inutile de rappeler, comme le fait Fathi Triki dans son propos liminaire, que la Tunisie, autrefois et dans un contexte différent Numidie, fut assez propice à la pensée pour y accueillir et y nourrir les œuvres d’Apulée, de Saint Augustin et d’Ibn Khaldoun, ni d’apprendre que s’y est perpétuée la tradition des grandes réformes avec Kheireddine ( XIXème) et Tahar Haddad (XXème) ; sans oublier les transferts et les recommencements dont plusieurs philosophes français qui y ont enseigné ont avivé ou ravivé la flamme auprès des étudiants tunisiens ; et parmi eux François Châtelet, co-fondateur du Collège international de philosophie, et Michel Foucault dont Rachida Triki restitue le contexte et le plan d’un cours sur Descartes dispensé à l’université de Tunis.
Mais qu’en est-il de l’aujourd’hui de la philosophie ? Ce numéro fera la preuve qu’il est bel et bien vivace : dans le triple souci de construire des ponts à double sens entre les Lumières orientales et occidentales pour penser la rencontre des mondes et les soubresauts de la modernité (Moez Médiouni, Rachida Smine, Tahar Ben Guiza, Fathi Nguezzou), de mettre le religieux à l’épreuve de la rationalité, de la laïcité et des genres ( Salah Mosbah, Fathi Triki, Mohamed Ali Halouani, Mounira Ben Mustapha, Zeineb Ben Said-Cherni), de réinventer enfin la pensée dans les conditions de la diversité et de l’entre-langues ( Fethi Meskini). A parcourir et à lire ce numéro, on comprendra que loin de se contenter d’être les porte-voix des courants de pensée « occidentaux » ou des traditions et écoles arabo-musulmanes, les philosophes tunisiens travaillent à partir de leur situation à penser la complexité des temps et du monde.
Le dernier mérite de ce numéro, et non le moindre à mes yeux, est d’offrir des images des métamorphoses en cours sur la scène des arts en Tunisie, à l’intersection d’un héritage traditionnel repris à neuf et en beauté – témoin la couverture -, et d’un questionnement sur les nouveaux avatars troublants des corps, des espaces et des identités. A saluer au passage le travail et la générosité de ces artistes : Njah Mahdaoui, Dalel Tangour, Mouna Jemal, Marianne Catzaras, Nadia Kaabi, Halim Karabiben, Meriem Bouderbala, Sadika Keskes, Mouna Karray, Moez Safta, Nicene Kossentini … et pour son regard affûté, Jeanette Zwingenberger qui en a fait le choix.
Patrick VAUDAY, philosophe (université Paris IX – Dauphine) ancien directeur de programme au CIPh, est responsable du réseau « Diversité des expressions culturelles et artistiques, et mondialisations » (http://www.dcam.auf.org/) au sein de l’Agence Universitaire de la Francophonie

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

تعريف بمؤلف:أزمة الأقليات في الوطن العربي ـ سلسلة حوارات لقرن جديد



الكتاب : أزمة الأقليات في الوطن العربي (سلسلة حوارات لقرن جديد).
الكاتب: د.حيدر إبراهيم علي و د. ميلاد حنا.
الناشر: دار الفكر دمشق
يؤكد الباحث السوداني الدكتور حيدر إبراهيم علي، أن البحث عن حلول علمية وواقعية لمشكلات الأقليات من خلال التسامح والقبول بالآخر وتبني التعددية السياسية والثقافية؛ هو المدخل الصحيح لقيام دولة وطنية قوية يمكن أن تتجه نحو وحدة قومية شاملة ومستدامة، ولكن حين تنشغل كل دولة بأزماتها الداخلية.. خاصة المتعلقة بدمج الوحدات الاجتماعية والثقافية، فسنكون أمام دول ومجتمعات فسيفسائية مبعثرة تنقصها القدرة أو القوة الذاتية.
 
من يجرؤ على الكلام؟!
من المؤسف والمعيب أن يجد العربي والمسلم أن الآخرين يولون اهتماماً لقضايا تمس الصميم العربي والإسلامي، في الوقت الذي نجد اهتمامات العرب والمسلمين تنصرف في معظمها إلى قضايا لا تزيدهم إلا تخلفاً وتشبثاً بالواقع الذي يعيشون.
ولعل من أهم الموضوعات المسكوت عنها في الخطاب العربي؛ موضوع الأقليات في الوطن العربي. هذا الموضوع الذي كاد أن يكون من محرمات الكتابة والبحث، أو على الأقل يفضل أن يكون من المسكوت عنه.. إذ لا تعتبر معالجة هذا الموضوع من النشاطات الفكرية البريئة، فهي غالباً ما تثير الريبة والشك، وتذهب بالظنون بعيداً.. خاصةً إذا كانت الأجواء السياسية غير عادية، ولأن الكثير من الدول العربية يمور في داخلها صراع أقليات كامن وناعم لم ينفجر بعد، ومن الممكن جداً أن يعبر عن نفسه بأشكال أخرى.. في أي لحظة. كل هذا لم يجعل الاهتمام بمسألة الأقليات يحتل مكانة متقدمة في الفكر العربي أو المجال الأكاديمي والبحثي أو حتى في العمل السياسي المباشر .
يؤكد الباحث السوداني الدكتور حيدر إبراهيم علي، أن البحث عن حلول علمية وواقعية لمشكلات الأقليات من خلال التسامح والقبول بالآخر وتبني التعددية السياسية والثقافية؛ هو المدخل الصحيح لقيام دولة وطنية قوية يمكن أن تتجه نحو وحدة قومية شاملة ومستدامة، ولكن حين تنشغل كل دولة بأزماتها الداخلية.. خاصة المتعلقة بدمج الوحدات الاجتماعية والثقافية، فسنكون أمام دول ومجتمعات فسيفسائية مبعثرة تنقصها القدرة أو القوة الذاتية.
وفي تأريخه لأزمة الأقليات في الوطن العربي يرى مدير مركز الدراسات السودانية أنه وفي بداية الدولة الإسلامية كان النبي يتخطى العصبية محاولاً تشذيبها وتوجيهها بحيث تقبل العيش في إطار سياسي واحد لا يلغيها بل يوازيها، وينظم علائقها بعضها ببعض، وبالعالم الخارجي، على أن تبقى العصبية ذاتها عماد التضامن الداخلي.. أن يمثل الإسلام فكروية الإطار السياسي ..
لم يكن هذا الانتماء وما قد يتبعه من عصبية معلناً، ولا جزءاً من تعاليم الدين الجديد، بل كان يدين مثل هذا السلوك باعتباره من بقايا الجاهلية، ولكن لم يغب عن التأثير في الصراع السياسي حول السلطة لفترات طويلة، وبعد ذلك كان على الدين الجديد تحديد علاقاته مع الآخر في مستويات أخرى حسب رؤية شاملة "weltanschuung" قسمت الناس في العالم إلى مسلمين وكفار وهم: ذميون ومشركون، ثم إلى دار الإسلام ودار العهد ودار الموادعة، ودار الكفر، ودار الحرب. وهناك ثلاثة فئات على الصعيد الديني؛ المسلمون وأهل الكتاب وعبدة الأوثان، أو الكتابيون وغير الكتابيين، وهذا التصنيف كان محط نقاش وتعديل وتغيير، حسب تغير ظروف الزمان والمكان، خاصة وأنه لم يوجد نص صريح يحدد كل فئة أو مجموعة بصورة قاطعة، ونتج عن ذلك تعدد المعاهدات والاتفاقات مع غير المسلمين، كما اختلفت المعاملة حسب الحاكم وحالة البلاد من استقرار وسلام وحرب وتنافس ورخاء اقتصادي أو ضيق، ومن هنا يمكن القول إن الدين الإسلامي القائم على عقيدة توحيدية كان عليه حين توسع من مجتمع المدينة لكي يصبح إمبراطورية تضم أصحاب مختلف الأديان والملل، وكثيراً من المجموعات الإثنية المختلفة والقبائل المتنافرة؛ أن يبحث عن صيغة تمكن كل هذا التنوع والتعدد من التعايش داخل الدولة الإسلامية.. دون الإخلال بالمبادئ العامة التي جاء بها الدين، وأهمها العدل والمساواة والتكريم. وهذه هي المعادلة الصعبة التي مازالت تواجه المسلمين - عملياً ونظرياً - فقد عجز الإسلاميون حين حكموا عن حل النزاعات الإثنية سلمياً، كما أن المفكرين الإسلاميين لم يقدموا اجتهادات عصرية مجمعاً عليها، أو يمكن الاتفاق عليها بقصد أن تعمم، وتكون وجهة نظر المسلمين عامة في التعامل مع الأقليات وبالتحديد غير المسلمين؛ ظل معلقاً، وبقي التجريب والخطأ هو مبدأ التعامل مع الأقليات.
ويرى الدكتور حيدر علي أنه وبالرغم من أن الحكمة في التعامل مع غير المسلمين قامت على البر بهم، وبالتالي الاتجاه نحو التسامح والقبول، إلا أن بعض الفقهاء والباحثين والنشطاء في العمل الإسلامي الحركي فضلوا انتقاء الأحكام والوقائع الاستثنائية التي تميل نحو التشدد والتضييق على غير المسلمين، واعتبروها هي الأصول في معاملة غير المسلمين، وهذا ما يوصلهم إلى حلول ومعالجات خاطئة هي التي تؤدي بالتأكيد إلى الفتنة التي يخشونها.
ولما كان الوعي بوضعية الأقلية في الحالة العربية/الإسلامية هو أشبه بالمياه الجوفية.. موجود وغير مرئي، ولكن عند الحاجة يمكن التنقيب والحفر لإظهاره، فإن حيدر علي يعمل فرشاته النظيفة وبكثير من التأني في إزالة الغبار والأتربة عن موضوع الأقليات في الوطن العربي بعيداً عن معاول الحفر والتنقيب التي غالباً ما تؤذي.. ولعل دقته في العناية البالغة بهذا الموضوع الشائك تعود في المقام الأول إلى أن الوطن العربي يتميز بالتنوع والاختلاف والتمايز حيث أنه يضم عدداً كبيراً من المجموعات الإثنية والدينية والمذهبية.. رغم الحديث عن ثقافة عامة منتشرة حتى بين الأقليات، ولكن يرى البعض وجود علاقة معقدة تتمثل في وجود عنصرين في المجتمع العربي الإسلامي يعملان في اتجاهين متعاكسين.. ثقافة مشتركة أو اتحاد ثقافي قوي مؤثر على كل الجماعات الأخرى ذات الثقافات الخاصة من جهة، ومن ناحية أخرى ميل بالغ الإفراط إلى الغلو الأيديولوجي في الفوارق بين الجماعات، لذلك لم يكن للتمثل assimilation آثار عميقة وواسعة في هذا السياق العربي الإسلامي، وفي محاولة منه لإيجاد الحلول لهذه الأزمة المستعصية على الحل؛ يذهب حيدر علي إلى أنه من ضمانات حلول مشكلات الأقليات قيام الدولة المدنية وليست الدينية.. أي التي تبعد الدين عن السياسة والدولة، لأن بعض المواطنين لا يدينون العقيدة نفسه،  ويتحدث البعض عن عدم ديمقراطية مثل هذا الوضع، على احتمال وجود أغلبية تريد تطبيق الشريعة الإسلامية مثلاً وهنا تبرز قضية المواطنة.. هل تحدد حسب العقيدة والدين أم حسب الانتماء للوطن والقومية؟ هذه إشكالية تخضع الآن لكثير من النقاشات والحوار، وهناك اتجاه يقول بإمكانية التوفيق بين الدولة الدينية وحقوق المواطنة، إلا أنه وعلى صعيد الواقع والممارسة عجزت بعض الدول التي طبقت قوانين إسلامية عن احترام حقوق غير المسلمين وإشراكهم في الحكم بطريقة متساوية. ويبقى مطلب الدولة المدنية، أي التي ليست دينية ولا عسكرية، هو المدخل لتعددية سياسية وثقافية تبعد أي احتمالات صراع تقوم حديثاً بسبب ظلامات العرق أو الدين أو الثقافة.
ويتوافق رأي الدكتور حيدر علي مع رأي محاوره الدكتور ميلاد حنا الذي يرى أن آليات المجتمع المدني تساهم إيجابياً في إقلال التعصب، وفي الدول والحكومات التي تقهر آليات المجتمع المدني - من أحزاب سياسية ونقابات على أنواعها وصولاً إلى الجمعيات غير الحكومية - نجد أن مجال النشاط للانتماءات المكتسبة محدود للغاية، فالدولة محتكرة لأدوات صياغة الوجدان الإنساني والمفاهيم الجماعية، لذلك يسود التعصب في هذه المجتمعات، وتعم فكرة "رفض الآخر" فهناك علاقة وثيقة بين ممارسة الديمقراطية على كافة صورها، وبين توفير المناخ السياسي الملائم لثقافة "قبول الآخر" مما اضطر بعض الدول الغربية لأن تشكل آليات مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان، أو متابعة ما يجري بالنسبة لاضطهاد "الأقليات" وتصدر لذلك تقارير سنوية تسجل ما يسمونه "الانتهاكات" وهذه التقارير الدولية هي آلية ضغط معنوية هامة وغالباً ما يعقبها - إذا استفحلت - فرض عقوبات، ولكنها أمور ليست منزهة عن الهوى، وسوف تشهد مرحلة ما بعد أيلول 2001 مزيداً من هذه الآليات الغربية - كما يرى الدكتور ميلاد حنا - وذلك لما يلاحظ من وجود مناخ عام للتعصب الديني في بعض الدول بذاتها أطلقوا عليها عبارة كورية هي أنها "دول الشر" قاصدين أنها دول تحث على التعصب، وبدلا من هذا التوجه السلبي يحسن إنشاء آلية جديدة تعمل على فتح القنوات والنوافذ التي تدعم وتنمي الخصوصيات الثقافية للأقليات على أنواعها، فالحزب الذي يصل إلى الحكم من خلال ثورة دينية أو حركة عسكرية أو حزب شمولي، غالباً ما تمالئ "الأغلبية" العرقية أو الدينية فتقهر "الأقليات" على أنواعها، ومن ثم تمنع تنظيماتها، بدعوى أنها تسعى إلى خطف الحكم، فتظهر تلك الأخيرة لتكوين جماعة "تحتية" تمارس فيها خصوصياتها الثقافية، فالمسلمون في الفلبين يكونون تنظيماتهم لممارسة خصوصيتهم الثقافية وعبادتهم من صلاة وصيام وحفظ القرآن، وكذلك يفعل الأكراد في دول الجوار في العراق وتركية وإيران وسورية إذ يكونون أحزابهم للنضال من أجل الحصول على الاستقلال، ليتكلموا لغتهم ويمارسوا عاداتهم وثقافتهم، ويلاحظ المرء أن الشيعة في بعض دول الخليج يحاولون أن يكتسبوا موقعاً على الساحة السياسية كمشاركين ووطنيين في إطار دولتهم لأنها وطنهم، وقد اضطر أهالي جنوب السودان أن يكونوا حركة وجيش تحرير السودان، لكي يتحرروا مما يتصورونه قهر أهل الشمال، وقد يحتاج هنا الأمر الأخير إلى تفاصيل أخرى لأنها مشكلة أكثر تعقيداً.
فكل أقلية عرقية أو دينية أو مذهبية لها خصوصياتها الثقافية بشكل أو بآخر؛ ممثلة في لغة أو عقيدة أو أماني مشتركة، وهو أمر أدركته الديمقراطية في الغرب، ولذا سمحت بتكوين المؤسسات غير الحكومية على أنواعها حيث تجتمع هذه الأقلية أو تلك وتمارس طقوسها، وتتكلم لغتها، وفي كثير من الأحيان تقدم الدولة معونات مالية وإعفاءات من الضرائب، كما تعطي هذه الجماعات حق البث الإذاعي أو التلفزيوني لمدد قصيرة أو طويلة أسبوعياً حسب وزنها ونضالها والمناخ السائد، ويرى الدكتور حنا أن الوحدة ممكنة وثرية من خلال التنوع باحترام الخصوصيات الثقافية، فلا يوجد تنوع أكثر من ذاك الموجود في مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، وربما كان ذلك سر قوتها كمجتمع، حتى صارت الدولة العظمى في العالم .
إن ما يطرحه المتحاوران، سواءً اتفقنا معهما فيه أم اختلفنا، يعد الخطوة الأولى والأصعب في موضوع الأقليات، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سيعمل الباحثون والمفكرون العرب على البحث في هذا الموضوع الشائك و"المخيف" من غير أن يؤدي ذلك إلى الصدام والتناحر فيما بينهم؟، أم أنهم سيستمرون في سباتهم تاركين لغيرهم مهمة البحث في أخص خصوصياتهم؟.
                                                                      ـ انتهى ـ



الأحد، 28 نوفمبر 2010

رهانات الفلسفة العربية المعاصرة


محمد المصباحي
يضم هذا الكتاب حصيلة أشغال مؤتمر 'رهانات الفلسفة العربية المعاصرة'، الذي انعقد بكلية الآداب بالرباط ما بين 20-21 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 (بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور). وكانت الغاية من دعوة نخبة من الفلاسفة العرب الذين ينتمون إلى مختلف الحساسيات الفكرية للالتئام حول موضوع الرهانات، ممارسة الفلسفة، لا تاريخ الفلسفة، وإن كنا نعتقد بأن تاريخ الفلسفة جزء لا يتجزأ من الفلسفة نفسها. وبالفعل، بالرغم من أن الكلام بضمير المتكلم لم تَجْرِ به العادة عندنا في الغالب، فقد أبانت جل الأبحاث الملقاة في المؤتمر عن إرادة الجرأة على التفلسف.
إن الرغبة في ممارسة جنس القول الفلسفي في العالم العربي اليوم تحركها على الأقل محركات ثلاثة. أولها كون اللغة العربية استطاعت، عن طريق احتكاكها باللغة الفلسفية اليونانية في السابق، أن تختزن تجربة واسعة وعميقة بالمفاهيم النظرية والأسئلة الجريئة حول الوجود والأخلاق والسياسة مكّنتها من أن تخلق لنفسها لغة فلسفية غنية لم تتأت لكثير من اللغات. وهذا الرصيد، الذي هو بمثابة ملكة فلسفية راسخة، أهّل اللغة الفلسفية العربية، في الأزمنة الحديثة، لأن تقوم بمغامرة جديدة قيد الإنجاز مع اللغات الفلسفية الأوروبية الحديثة لتحديث جهازها المفاهيمي وأدواتها المنهجية والرؤيوية. والمحرك الثاني يتمثل في كون الفلسفة عرفت في اللغة العربية تجارب فكرية غنية كان لها صدى في التاريخ، تراوحت بين الازدهار والامتحان؛ فكان ازدهارها مؤشرا على وصول الحضارة العربية الإسلامية إلى مستوى عال من العالمية الفكرية، تساوقت مع عالمية دينية كانت شرط الوجود البشري في ذلك الزمان؛ كما كان امتحانها ومحاصرتها بمعية العلم والأدب علامة على أن الحضارة العربية الإسلامية مالت إلى الأفول. مما يعني أن رهان الحداثة في العالم العربي اليوم مرتبط ارتباطا جوهريا بعودة قوية وجريئة لّلغة العربية إلى الفلسفة. وهذا ما حاولت أبحاث هذا الكتاب أن تبرهن عليه بأكثر من كيفية. العامل الثالث الذي حرك الرغبة في ممارسة القول الفلسفي في العالم العربي، هو أن رهان تحديث العالم العربي اقتصاديا وسياسيا وإداريا واجتماعيا وحقوقيا ودينيا وفنيا... لا يمكن أن ينتقل إلى مرتبة الحداثة، ما لم تَسْرِ في التحديث روح الفلسفة، محوِّلة إياه إلى ملكة راسخة، أي إلى حداثة، هي عبارة عن حساسية تجاه الزمن الذي نحيا فيه من أجل التفاعل الخلاّق معه.
وعملاً بالدور الأساسي الذي حدده بول ريكور للفيلسوف أساساً في 'فهم الرهانات'، نعتقد بأن الرهان الأكبر للفلسفة في عالمنا العربي، هو أن يحصل لها الوعي بأنها لن تستطيع التأثير في الفضاء العمومي لدفعه للانخراط في مغامرة الحداثة بكل ما تتطلبه من همَّة ومخاطرة، ما لم تعمل هي نفسها على تغيير نفسها بنفسها بتحديث أسئلتها ولغتها وآفاقها، أي بتحديث رهاناتها. وهنا لا يسعنا إلا أن نُبدِي شيئا من الغيرة حيال تجارب الشعراء والروائيين والعلماء والتقنيين والاقتصاديين والسياسيين العرب الذين يغامرون يوميا سعيا وراء تحقيق حداثاتهم كل بطريقته الخاصة. فلماذا لا نقوم، نحن الفلاسفة، أيضا بالمغامرة الخاصة بنا لتحقيق حداثتنا الفلسفية، دون انتظار لحظة المغيب، لحظة انبثاق الفلسفة؟ لعل ذلك رهين بالتركيز على قراءة الواقع العربي اليومي المتجدد، وبالعمل على خلق مجال مشترك حي وحقيقي للقراءة والحوار والنقد والاعتراف المتبادل.
إننا بهذا لا ندعو إلى ضرب من الغلو في التحمس لفلسفة عربية منغلقة على ذاتها، على غرار ما يدعو له البعض من أهلنا ومن بعض الأمريكيين اللاتينيين أو الأفارقة أو الآسيويين، وإنما نقول بأن النقاش الفلسفي داخل الحقل العربي هو الذي سيسمح لنا بإمكانية حقيقية للنقاش مع المجتمع الفلسفي العالمي، وذلك عندما نقدم قيمة مضافة نابعة من الأسئلة الخاصة التي نطرحها، مع أخذ الاحتياط الكامل من الوقوع في محذور تحويل الفلسفة إلى إيديولوجية غايتها تغيير الواقع حسب آرائها المنحازة، لا حسب مقتضى الشيء في ذاته. إن المحافظة على غريزة الحرية تبقى شرطا قَبْليا لممارسة الفلسفة حتى لا تُسَخّر من قِبل رجال السياسة أو الدين أو المال، أي حتى لا تتحول الفلسفة إلى إيديولوجيا أو علم كلام.
وبعيدا عن أية مبالغة، من واجبنا أن نعترف بأن الفكر الفلسفي العربي بدأ أخيرا يتخلص من عقدة لسانه، منطلقا في مغامرة لا حدود لها من الإبداع والمناقشة بلغة وأسئلة جديدة مع أنداده من الفلاسفة في أنحاء العالم، خصوصا بعدما أصبحت الفلسفة تميل اليوم نحو لغة السرد والحكاية. فمن يقف على أعمال الفلاسفة العرب المعاصرين سيكتشف أن كتاباتهم لا تقل عمقا وابتكاراً عن أقرانهم الأوروبيين، لأنها كانت ثمرة جهد ومكابدة. نعم، يجب أن نعترف بأن قاموسنا الفلسفي ما زال غير قادر على إسعافنا في التعبير عن كل ما يخالجنا من أفكار وإشكالات ورؤى جديدة. بيد أننا نعتقد أن اللغة العربية ما زالت تحمل في أحشائها إمكانيات هائلة للتوليد والابتكار والتكيف مع القضايا والموضوعات الجديدة.
الفلسفة بطبيعتها مشاغبة، تحاول بأسئلتها أن تتجاوز الثوابت والخطوط الحمراء، بما فيها الخطوط الحمراء التي تضعها الفلسفة لخطابها على نحو ضمني في غالب الأحيان. فأحيانا تضع الاستنارة، أو الحرية كخط أحمر، لكنها سرعان ما تنقلب عليهما، لكي ترفع في كل مرة سقف تطلعاتها إلى درجة يمكن اعتبار عودة ظاهرة الغزالي من جديد في زماننا هذا، أي ذلك الفيلسوف المُبَرقع، الذي يأكل من فاكهة الفلسفة بكل حرية ويلعن كل مَن يأكلها، من باب مكر الفلسفة، التي تريد البقاء أحيانا من خلال أضدادها.
لم يكن الغرض من اللقاء الذي أثمر هذا الكتاب إثبات أو نفي وجود فلسفة عربية اليوم، أو تأكيد هويتها وأصالتها قياسا على فلسفات الأمم الأخرى، ولكن كان القصد أن ننظر فيما يمكن أن تُسهم به الفلسفة بتواضع، مع غيرها من المباحث الفكرية والعلمية والأدبية والفنية، لإنقاذنا من الكارثة الثقافية والوجودية التي تهددنا كل يوم منذ دخولنا زمن الهزائم المتتالية. إننا في العالم العربي نعيش تراجيديا حقيقية، استفحل أمرها إلى حد أصبح يبعث على القنوط واليأس، الأمر الذي يجعلنا في أمَسّ الحاجة إلى نظرة مجردة وشاملة تذهب بنا توّاً إلى جوهر الأمور، أي إلى نظرة فلسفية تستطيع أن تعالج حالة الإنسان الذي لا يود أن يعترف بإنسانيته، بحريته، بقدرته على العيش مع الآخرين. إننا إذا استطعنا أن نجعل من التأويل أداةً لتغيير نظرة هذا الإنسان إلى نفسه وإلى العالم، سنكون قد ربحنا أحد الرهانات الكبرى للفلسفة العربية المعاصرة.
يضم هذا الكتاب خمسة أبواب؛ يتطرق الباب الأول منها إلى رهانات الفلسفة العربية السياسية المتصلة بموضوعات الحضارة والمقاومة والمصالحة السياسية والعولمة والحرية. وتعالج أبحاث الباب الثاني الرهانات الفلسفة الدينية التي تخص الإصلاح الديني والعلمانية وشروط إمكان قيام فلسفة للدين في الفكر الفلسفي العربي المعاصر. وتعكف مقالات الباب الثالث على النظر في رهانات مجتمع المعرفة والصورة والأخلاقيات التطبيقية والتواصلية. وحاولت أبحاث الباب الرابع، رهانات حاضر الفلسفة العربية، التفكير تفكيرا نقديا في مفاهيم الرهان والتبرير والحاضر والترجمة. أما أبحاث الباب الخامس فقد تناولت دلالة ومدى حضور الفلسفة الغربية في الثقافة العربية المعاصرة، وهل من المشروع أن تنعت هذه الأخيرة بأنها عربية، بينما اختصت مقالتان في النظر في الفلسفة المغربية.


جدل حول الفلسفة العربية بجامعة الجزائر

الجزائر: في الملتقى الدولي السادس ليوم الفلسفة في الجزائر، والذي تناول موضوع الفلسفة وأسئلة الراهن، اتفق الأساتذة المشاركون على أن الفلسفة والتفلسف في الجزائر وفي العالم العربي أصبحا غير مرتبطين بالواقع، ولم تعد لهما صلة بهموم النا
وبحسب جريدة "الخبر" الجزائرية أثارت مداخلات الفترة الصباحية من اليوم الأول لملتقى الفلسفة في الجزائر، المنظم من قبل جامعة الجزائر بوزريعة بالتعاون مع قسم الفلسفة وتاريخها بجامعة وهران، ردود أفعال ونقاشا محتدمة .
وقد أثير النقاش والجدل عقب المحاضرة التي ألقاها د. أمين الزاوي حول موضوع الفلسفة واليومي، وقال فيها إن الفلسفة في الجزائر تعيش بعيدا عن هموم الناس، وطالب بضرورة إنزالها من عرش الفكر المجرد. وهو ما اعتبره الأستاذ محمد نور الدين جباب تحميلا للفلسفة لأكثر من طاقتها. واعتبر آخرون أن د. الزاوي لا يفرق بين الفلسفة وعلم الاجتماع عندما طالب الفلاسفة بالتمعن في الفتيات اللواتي يرتدين الحجاب، ومن تحته الجينز، فتلك من مهام عالم الاجتماع.
وما قاله الزاوي وأثار النقاش والجدل، ردده د. عبد الرحمان بوقاف لكن بكثير من التمعن والتدقيق والابتعاد عن الاستفزاز، فكان رده على سؤال محاضرته المحوري: لماذا بقيت الفلسفة في العالم العربي حبيسة لغتها؟، بالبحث عن أسباب عدم قدرة الفلسفة على الخروج إلى الفضاء العمومي، وتحولها إلى موضوع نخبوي.
كما أرجع د. بوقاف ظاهرة عجز الفلسفة عن الخروج إلى الفضاء العمومي، لمسألة غياب النص المرجع. فالعالم العربي يعيش على وقع النص التراثي. وهذا الأخير ليس محل إجماع بل محل محاكمة وبالتالي فهو لا يصلح لأن يكون نصا منجزا. كما أضاف د. بوقاف إلى السببين المذكورين أعلاه مسألة عدم امتلاك المفكرين العرب لرؤية للعالم والتزام انطولوجي. وتحدث في الأخير عن مسألة الانقلابات الفكرية التي تعكس تذبذبا فكريا لا يخدم الفلسفة إطلاقا.
وبحسب "الخبر" تحدث د. بن مزيان بن شرقي عن عنصرية الحداثة الغربية، واستشهد بهيغل الذي كان يعتقد أن الأفارقة ليسوا أهل ثقافة. وأوضح بن مزيان أن فكرة التقدم في الغرب قامت على الإقصاء، مضيفا أن محاولات التجسير انتهت بالفشل، واستدل بكتابات أوزوالد شبينغلر، التي تقف عند نقيض ما توصل إليه صمويل هنتنغتون في السنوات الأخيرة. وأدت فكرة صدام الحضارات، حسب بن مزيان، إلى انتشار ثقافة المقاومة التي تحاول فرض ذاتها في عالم تغلب عليه محاولات الطمس الثقافي، وذلك باسم الرغبة في الاعتراف.